[منبر الفاتحين
(منبر لم يصنع في تاريخ المسلمين قاطبة مثله)
اتفقوا على كونهم أربعة من الخلفاء الراشدين ، وتجاوزوا فترة زمنية ليست بالطويلة ليضيفوا إليهم عمر بن عبد العزيز كخليفة خامس ، ثم مرت سنون كثيرة ليختلفوا هل يعد نور الدين محمود هو الخليفة الراشد السادس أم لا ؟
والحق أن في سيرة هذا الرجل ما يدعو إلى التوقير والدراسة والبحث...ويكفينا فخرا أن تتعطر ألسنتنا بذكر بعض مواقف هذا الرجل الصالح ، فلقد هب كما يهب المارد ليحرر المسجد الأقصى من دنس الحملات الصليبية ونقتطع من سيرة هذا الرجل ما يتعلق بمنبره المعروف باسم منبر نور الدين محمود.
حكاية المنبر
كان من عادة نور الدين محمود أنه كلما خرج من نصر على الصليبين فى معركة من معاركه أن يصلى لله شكرا وأن يعطى العطايا ويوزع الغنائم ويجلس إلى العلماء والخطباء والناس فيسمع ما يقولون ويسمعون ما يقول ، وكان دوما ما يردد أن نصر الله آت قريبا لا شك – عنده- فى ذلك.
وفى ذات مرة بعد معركة حارم التى أقض فيها مضاجع الصليبيين التفت إلى جلسائه وهو يقول
الحمد لله اقتربنا من القدس وسوف ندخله إن شاء الله قريبا نقيم فيه الصلاة لكنه – والحضور- صمت لحظة ثم عاد يقول فى تأثر شديد : لكنهم حطموا المنابر فلنستعد بمنبر عظيم يليق بذلك اليوم العظيم يصعد فيه الخطيب ويحيى يوم النصر ويهز الجدران كما تهز القلوب.
ثم أمر باستدعاء أمهر المهندسين وكان منهم : حميد الدين بن ظافر الحلبي ، وسليمان بن معالي وطلب منهما أن يصنعا منبرا فخما مرصعا بالجواهر والدر لم يصنع مثله من قبل واستعجلهما فى الطلب حتى ظن الحاضرون أن نور الدين محمود توهم النصر على الأبواب وقرأ ذلك فى عيون الحاضرين فقال:
إنه آت قريبا بعون الله ندخله إن شاء الله مهللين مكبرين ملبين نصلى فيه صلاة الشكر ونستمع فيه إلى الخطيب البليغ وهو يرطب بكلامه قلوبنا ولابد أن يلقى خطبته العظيمة فى ذلك اليوم العظيم من فوق منبر عظيم.
ثم التفت إلى المهندسين قائلا : أريد ذلك المنبر تحفة تليق بجلال الفتح المبين يتلألأ بجواهره ودرره وغالى خشبه ودقة صنعه فى وسط المسجد الأقصى .
حول المنبر
بدأ الصناع بتنفيذ المنبر الذي أمر بصنعه الملك العادل نور الدين سنة (563هـ /1167م) في مكان يدعى (الحلوية) في مدينة حلب في سوريا، إذ اشتهرت مدينة حلب في تلك الفترة في صناعتها وصناعها واستغرق بناء المنبر سنينا على يد أمهر المهندسين ، ويوصف بأنه منبر خشبي ، صنع من خشب أرز لبنان، له بوّابة ترتفع فوقها تاجٌ عظيم ثمّ درج يرقى إلى قوس أعلاه وشرف خشبيّة، وهو مرصّع كلّه بالعاج والآبنوس، فيه نقوش وحفر على الخشب الذي فيه ، مكتوب على يسار الخطيب وهو يرتقي المنبر " بسم الله الرحمن الرحيم ، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته الشاكر لنعمته المجاهد في سبيله المرابط لإعلاء دينه الملك العادل نور الدين ركن الإسلام والمسلمين منصف المظلومين من الظالمين أبو القسم محمود بن زنكي ابن آق سنقر في شهور سنة أربعة وستين وخمس مائة ، وعلى يمين الخطيب وهو يرتقى المنبر مكتوب قوله تعالى: "إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون"
وقبل أن يموت أوصى نور الدين محمود بمنبره خيرا ولكأنى به أراه وهو يشير عليهم بإتمامه ويقول ضعوه فى مكانه من المسجد الأقصى ولا تنسوا نور الدين محمود وأنتم تنظرون إلى ذلك المنبر وتسمعون الخطيب من فوقه وهو يبكى بدموع الفرح لإنقاذ القدس وتطهيره من دنس الصليبيين .
وجاء صلاح الدين صاحب الوفاء
وحين استكمل صلاح الدين رسالة نور الدين محمود وحرر المسجد الأقصى قال وعيناه مغرورقتان بالدموع : المنبر.. منبر السلطان نور الدين محمود ابعثوا إلى حلب وأحضروه لنقيمه حيث أراد السلطان المؤمن ذلك الرجل الذى لم يشك يوما فى أن ذلك المنبر سيأخذ مكانه من القدس الشريف.
تاريخ مشرف لمجاهدينا وخسة وضيعة من اليهود
وظل منبرنا تحفة فنية حتى جاء صباح يوم الخميس الواقع في ( 7جمادى الثانية سنة 1389 هـ) الموافق ( 21/8/1969م ) حيث قام الكيان الصهيونى بحرق المنبر متعمّدا بذلك إنهاء رمز تحرير الأقصى من يد الاحتلال الصليبي، وقد أكلت النّار جميع المنبر ولم يبق منه إلاّ بعض القطع المحروقة في المتحف الإسلامي بالمسجد الأقصى.
أمنيات عشاق الشهادة
هل يمكن أن يعاد ترميم ذلك المنبر ليشهد طرد الكيان الصهيونى وتطهير المسجد الأقصى من دنسهم كما فُعل بأنصارهم من قبل؟
إن العاشقين للشهادة ليأملون أن يكون ذلك قريبا ، وأن ينبت الله من أمة محمد أحفادا مجاهدين لنور الدين محمود وصلاح الدين وأمثالهما ....فإن قلوب الملايين من المسلمين لتتطلع إلى أن تشهد خطبة النصر فى القدس الشريف كما حضرها من قبل أجدادهم.
فى النهاية
نسأل الله عودة مجاهدينا إلى صفوف الجهاد حتى يعود إلينا منبرنا ومسجدنا.