حال المسلمين اليوم يشهد بأنهم أولى من غيرهم بالدعوة إلى الله وإلى الإسلام من جديد ، ذلك بأنهم ابتعدوا عن شرع الله ، وهجروا قرآنهم فأظلمت قلوبهم ، وفسدت حياتهم .
ومهمة الدعاة اليوم – كما يقول الإمام حسن البنا – هي توصيل التيار من المنبع الأصيل – وهو القرآن – إلى قلب كل مسلم ، حتى يشتعل ويضيء. قال تعالى في سورة الأنعام ( 122) :" أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها .." .
لم نعرف الإسلام إلا دعوة = وضاءة تحيي الأنام وتلهم
فكيف للداعية أن يصل إلى القلوب ؟
لابد أن يكون الداعية ابتداء علرفا بالله ، متصلا به ، وأن ينظر إلى أهل الهوى والمعاصي على أنهم مرضى ، فيعطف ويشفق عليهم ، ويحتال لعلاجهم بما لا ينفرهم منه ومن دعوته . قال بعض الصالحين من السلف : أهل المحبة لله نظروا بنور الله ، وعطفوا على أهل معاصي الله ، مقتوا أعمالهم ، وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم ، وأشفقوا على أبدانهم من النار .
ولابد أيضا أن يكون الداعية قدوة حسنة ، يطبق ما يقول ، وإلا فلن يتأثر الناس بقوله ، شأنه شأن المعلم ...
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها = فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويهتدى = بالقول منك وينفع التعليم
وأن تكون سيرته حسنة بين الناس ، وأن يكون ذو خلق حسن ...
أكرم بذي الأخلاق من الناس = شبهته في الناس بالنبراس
به يستضاء إذا ظلام دامس = ساد الوجوه فذاك خير الناس
وإذا سعى فالخير مقصود له = وإذا دعا فالحق خير أساس
ولابد وأن تكون له أياد بيضاء عند الناس ، من البر والإحسان ، فبالبر يستعبد الحر ...
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم = فطالما استعبد الإنسان إحسان
إذا ، فلابد من القدوة قبل الدعوة ، ومن الإحسان قبل البيان .
ولكي يستطيع الداعية أن يصل إلى قلب المدعو ليأخذ بيده إلى منابع الخير والنور ، لابد أن يكون هذا الداعية مشحونا بالحق والنور ، وبعاطفة قوية جياشة . يقول الشيخ المودودي – يرحمه الله - : اسمحوا لي أن أقول لكم ، أنكم إذا خطوتم على طريق هذه الدعوة بعاطفة أبرد من تلك العاطفة القلبية التي تجدونها في قلوبكم نحو أزواجكم وأبنائكم ، فإنكم لابد أن تبوءوا بالفشل الذريع ... ، عليكم أن تستعرضوا قوتكم القلبية والأخلاقية قبل أن تهموا بالخطوات الكبيرة .
ثو لابد من الرحمة ومن الرفق ، فقد قال عليه السلام :" فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " . والرفق مطلوب ومتعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قال سفيان الثوري : لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال : رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى ، عالم بما يأمر عالم بما ينهى ، عدل بما يأمر عدل بما ينهى . وروي أن أبا الدرداء – رضي الله عنه – مر على رجل قد أصاب ذنبا والناس يسبونه ، فقال : أرأيتم لو وجدتموه في قليب ، ألم تكونوا مستخرجيه ؟ قالوا : بلى . قال : فلا تسبوا أخاكم ، واحمدوا الله الذي عافاكم . فقالوا : أفلا تبغضه ؟ فقال : إنما أبغض عمله ، فإذا تركه ، فهو أخي . ومر فتى يجر ثوبه ، فهم أصحاب صلة بن أشيم إن يأخذوه بألسنتهم أخذا شديدا ، فقال صلة : دعوني أكفكم أمره ، ثم قال : يا ابن أخي ، إن لي إليك حاجة . قال : ما هي ؟ قال : أحب أن ترفع إزارك . قال : نعم ونعمى عين ، فرفع إزاره . فقال صلة لأصحابه : هذا كان أمثل مما أردتم ، فإنكم لو شتمتموه وآذيتموه لشتمكم .