قــالــت نــمــلــة
بـقـلـم : عـلـي مـهـدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) [18] النمل
النملة .. مخلوقة صغيرة الحجم .. كبيرة الإنجاز .. تتشابه مع الإنسان في كثير من جوانب حياته ، فهي تبني المدن .. وتشق الطرقات .. وتحفر الأنفاق .. وتجمع الطعام وتحفظه .. وتجتمع على إمرة .. وتتوزع الأدوار فمنها جيوش الحرب .. ومنها خادمات الملكة .. ومنها العاملات والمربيات ، وأخرى تزرع الحقول .. وثانية تحصد الحبوب .. وثالثة ترعى مواشي النمل من الديدان التي يستخلص منها مادة حلوة تسمى [الندوة العسلية] .
وللنملة في القرآن الكريم ذكر ، ولتميّزها إشارة ، فلقد ذكرت في القرآن الكريم بدور لا يعرف إلا عن بني البشر ، ولا يسمع إلا منهم ، ولا يلقى إلا عليهم في هذه الأرض ، وفي هذا سر أراه سأذكره بمشيئة الله ..
لقد قامت هذه النملة بدور مشابه لدور النبي في أمته .. والداعية في مجتمعه .. والأب في أسرته .. دور يحمل معنى الشفقة والرحمة ، ويحمل معنى الوفاء والمحبة ، ويحمل معنى الحرص على تماسك الجماعة .. إنه دور ( النصح ) .. نعم النصح والتوجيه ، فلم تكن هذه النملة سلبية في أي دور من أدوار حياتها .. فهي وإن كانت جادة في عملها .. دؤوب في اجتهادها .. قليلة الكلام .. كثيرة الفعال .. إلاّ أنها لم تأل جهداً في أن تنصح لصويحباتها النمل .. وتنبههم إلى خطر داهم
قد يصيبهم بسوء .
إن هذه النملة لم تكن نملة من صفوف الكسالى .. كلا .. فليس لدى النمل مكان لهذا الصنف .. ولم تكن من السلبيين .. الذين يقولون ولا يفعلون
ويقترحون ما لا ينفذون .. لا .. ليست منهم .
بل وأكثر من هذا .. فإن هذه النملة لم تجعل لنفسها حجة في انشغالها بأعمالها المستمرة صباحاً ومساءً ، وتوجد لنفسها عذراً عن هذا الدور .. ولم تر بأن المرء عليه بخاصة نفسه فليهلك من يهلك ، ولينج من ينجو .. وهي كذلك لم تقل بأن هذا العمل ليس من صميم مهامها ، وإنما هي عاملة حقلها ، وللحروب رجالها .. وللوعظ رجاله .. وللنصح رجاله .. لا ..
لقد أظهرت هذه النملة أنه
مهما كانت الانشغالات
ومهما كانت الالتزامات
ومهما كانت الأعمال
ومهما .. ومهما .. ومهما ..
كانت الحجج والأعذار ...
إلا أنه لا يعفى أحد من أداء رسالة النصح وإبلاغ الناس وتوجيههم وإنقاذهم من أي خطر يحدق بهم سواءً كان في الدنيا أو في الآخرة ..
وهذا هو السر الذي رأيته في هذه القصة .
وأختم بمقولة رائعة لابن قيم الجوزية رحمه الله حين قال في إشارته لهذه الآية المصدرة للمقال ، يقول : [ فتكلمت أي (النملة) بعشرة أنواع من الخطاب في هذه النصيحة : النداء، والتنبيه، والتسمية، والأمر، والنص، والتحذير، والتخصيص، والتفهيم، والتعميم، والإعذار، فاشتملت نصيحتها على هذه الأنواع العشرة، ولذلك أعجبَ سليمانَ قولُها، وتبسم ضاحكاً منه ] .
الـمـصـدر
http://alwsat.net/articles.php?ID=68&do=view