إن استدعاء المعاني والتوصيفات بل وحتى النظريات لتخذل الإنسان كثيرا حين يكون الموضوع متعلقاً بالنفس البشرية ،إذ تعد-في ظني-اعقد وأصعب مخلوق في الكون ،حيث أن الكلام عنها يعني استحضار السمات المتعددة لها ولو أردنا التعامل معها أو الحكم عليها لزم علينا تحديد خط التعامل لكي نخرج بنتائج فاعلة وقيمة تزيد من فرصة فهم هذه النفس العجيبة،حيث أنه توجد خطوطا ملونة كثيرة ممتزجة امتزاجاً اعجازياً نادراً في هذه النفس فهناك خط التركيب والشعور والتفكير والسلوك والتأثير والاستجابة والممانعة وغيرها.
فخذ مثلاً خط التفكير فستجد أن للناس فيه مشارب وطرق شتى. فمنهم منساق لبيئته لايشذ عنها وهكذا أكثر الناس،ومنهم نادر في تفكيره غريب في استعماله حتى ليخيل إليك انه شيطان من حيله وعفريت لخبثه، وجملة من الناس بليد مترهل قد اجر عقله بل باعه وقبض الراحة ثمناً لذلك،وصنف بهي أخاذ له لحن طريب ونهج في التفكير عجيب كره التقليد وخرج عليه لايزال يربي عقله وينميه حتى أصبح ذلك ديدنه فهو متنقل من أسلوب حديث في الطرح يعرضه أو معنى غائبا يستنبطه أوحلا شافيا لمعضلة لاتخنع لغيره.
فهذا الصنف الأخير هو الصنف المنتج والباقون هم المستهلكون ومااكثرهم وهذه الحياة أمامك فاختر لنفسك فقرارك بيدك لابيد غيرك، ويكفيك حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أثنى قوم على رجل حتى بالغوا فقال صلى الله عليه وسلم كيف عقل الرجل؟فقالوا نخبرك عن اجتهاده في العبادة واصناف الخير وتسألنا عن عقله يارسول الله ؟فقال :إن الأحمق ليصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر وإنما يرتفع العباد غداً في الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم)