القرضاوي 5 سبل لمواجهة فتح النار على القرآن
محمد صبرة
الدكتور القرضاوي
الدوحة– حدد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي -رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- خمسة محاور دعا المسلمين للرد بها على الفيلم المسيء للإسلام ومقدساته الذي عرضه النائب الهولندي اليميني المتطرف جيرت فيلدرز على الإنترنت، مشددا على أنه لا يجب التهاون إزاء "فتح النار على القرآن".
وفند الشيخ القرضاوي مزاعم فيلدرز بأن القرآن الكريم يحض على الكراهية والقتل، موضحا بالأدلة أن العكس هو الصحيح وأنه يدعو للمحبة والتعايش في سلام مع الآخر، معربا في الوقت نفسه عن أسفه لأن بعض المسلمين يتبنون ممارسات تشوه صورة الإسلام وتعطي فرصة لأعداء الإسلام للإساءة إلى الدين الحنيف.
وفي تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين" اليوم السبت قال الدكتور القرضاوي: "إن ما فعله السياسي الهولندي بمثابة فتح النار على القرآن الكريم".
وقال: إن وصف الفيلم للقرآن بالكتاب "الفاشي" هو "كذب وافتراء وكلام مختلق لا يقوله إلا جاهل أو مكابر أو معاند"، معتبرا أن موقف البرلماني الهولندي "حلقة جديدة من حلقات مسلسل العداء الذي يتبناه تيار في الغرب صاحب مصلحة" في الإساءة للإسلام.
قدس الأقداس
وشدد على أن "شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم يعتبران قدس الأقداس بالنسبة للمسلمين في مختلف أنحاء العالم.. لا يسمحون ولا يتهاونون في أي تطاول عليهما".
وعرض فيلدرز الخميس الماضي فيلم "فتنة" على الإنترنت، ويقتطع الفيلم آيات من القرآن الكريم من السياق الذي جاءت فيه ويربطها بمجموعة من أعمال العنف التي نسبت إلى مسلمين في بعض البلدان الغربية لكي يوصم الإسلام بالإرهاب.
خمسة ردود عملية
وحدد الشيخ القرضاوي خمسة ردود عملية وسياسية وشعبية واقتصادية ينبغي على المسلمين اتباعها لمواجهة المتطاولين على المقدسات الإسلامية.
الرد الأول: "ينبغي أن يكون علميا بدحض الافتراء على النبي بأنه كان سفاك دماء ورجل نساء". وطالب بأن يكون هذا الرد "بلغات عالمية مختلفة حتى يصل إلى الذين يتطاولون على النبي والذين يجهلون عظمته، وأن يتصدى له علماء على دراية بسيرة النبي وإحاطة بالقضية التي يردون عليها".
الرد الثانى: "سياسي ويتمثل في أن تقف الدول الإسلامية الكبيرة موقف الرجولة دفاعا عن الإسلام ورسوله".
الرد الثالث الذي دعا إليه الشيخ القرضاوي هو "الرد الشعبي بالضغط على الحكومات المسلمة لتقف موقفا صلبا رجوليا إيمانيا يثبت أن أمتنا ما زالت حية ومتلاحمة تغار على مقدساتها".
والرد الرابع الذي نصح به الشيخ القرضاوي هو "الرد الفني والإعلامي"، مبينا "أهمية الأعمال الدرامية كالأفلام والمسلسلات في تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام".
أما الرد الخامس الذي طالب به فيتمثل في "المقاطعة الاقتصادية لبضائع الدول التي تسمح لرعاياها بالتطاول على المقدسات الإسلامية". ووصف المقاطعة بأنها "سلاح يوجع القوم".
"من سالمنا سالمناه"
الدكتور القرضاوي شدد أيضا في تصريحاته على أن: "مشكلتنا مع التيار المعادي للإسلام في الغرب أنه هو الذي يبدأ بعداوتنا.. نحن أمة مسالمة، ولكن هذا التيار هو الذي يناوشنا باستمرار؛ لأنه في موقف القوة ونحن في موقع الضعف".
وبين أن هذا التيار "هو الذي بدأ بالإساءة إلينا بإعادة نشر الرسوم المسيئة إلى محمد صلى الله عليه وسلم. بعد أن نسينا هذا الأمر وكنا نحاول أن نبدأ صفحة جديدة، فنحن مشغولون بإصلاح أنفسنا وبهداية العالم من حولنا وما كنا نحب أن نشغل أنفسنا بهذا الأمر الجديد".
وأضاف: "من سالمنا سالمناه ومن مد يده إلينا ذراعا مددنا أيدينا إليه باعا، لأننا لسنا هواة صدام ولا صراع فنحن أمة سلام والسلام اسم من أسماء الله تبارك وتعالى".
كتاب محبة
ثم تطرق رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لتفنيد مضمون فيلم فيلدرز فعدد آيات القرآن التي تدعو للمحبة والعفو والصفح والتعايش بين الناس كإخوة مهما اختلفت أجناسهم ودياناتهم ومنها قوله تعالى: {يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
وأفاض في بيان موقف القرآن من محاربة الكراهية والعداوة، مشيرا إلى أن "الله عز وجل عندما حرم الخمر لم يعلل تحريمها بأنها تدمر العقل والجسم وإنما لأنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس".
وفند القرضاوي مزاعم البرلماني الهولندي بأن أسماء الله الواردة في القرآن تحث على العنف فقال: إن أسماء الله التي وردت في آيات القرآن الكريم تجمع بين الرحمة والمغفرة"، مشيرا إلى أن 113 سورة من بين 114 سورة في القرآن تبدأ بالبسملة "بسم الله الرحمن الرحيم" والفاتحة أول سور القرآن تؤكد آياتها أن الله هو "الرحمن الرحيم" وأن المسلم يقرأ تلك السورة "17" مرة في الصلوات الخمس لتتمكن الرحمة من قلبه ونفسه.
أما اسم الله "الجبار" فأوضح الدكتور القرضاوي أنه لم يرد في القرآن الكريم إلا مرة واحدة في أواخر سورة الحشر ضمن أسماء أخرى، موضحا أن "صفة الله الجبار وردت في القرآن لبيان جبروته سبحانه على البشر المستكبرين والمتجبرين على الناس بغير الحق".
وقارن بين صفة الله تعالى في القرآن الكريم وصفته في التوراة (العهد القديم في الكتاب المقدس لدى المسيحيين) التي يؤمن بها البرلماني الهولندي فأوضح أن: "صفة الله أرحم الراحمين وردت في القرآن خمس مرات، وصفته خير الراحمين وردت مرتين. لكن صورة الله في التوراة هي أنه منتقم غضوب ينتقم من الآباء في أبنائهم حتى الجيل الثالث والرابع".
كما رفض الشيخ القرضاوي زعم البرلماني الهولندي بأن القرآن يحرض على القتل مبينا أن العكس هو الصحيح؛ "فالقرآن يحرم قتل النفس إلا بالحق وينص على أن من قتل نفس بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعا".
وأكد على أن "الإسلام لا يدعو للقتل، وعندما شرع الجهاد فقد كان دفاعا عن الدين وعن الوطن وعن الأرض والعرض والحرمات".
أين التحريض على القتل؟!
ونفى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يكون الإسلام متعطشا لسفك الدماء وقتل الأبرياء، مشيرا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية".
وطالب "النائب الهولندي المتعصب الذي لا يرى الحقيقة أن يدلنا على الآيات التي تحض بالفعل على الكراهية أو تحض على العنف أو القتل".
وذكر الشيخ القرضاوي أن فكرة القتل يرفضها الإسلام حتى بالنسبة للحيوانات، مشيرا إلى رفض النبي طلبا للصحابة بإبادة الكلاب الضالة في المدينة المنورة قائلا لهم: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها".
وبين في المقابل أن مبدأ قتل الشعوب وإبادتها فكرة توراتية حيث تدعو التوراة اليهود لقتل ذكور الشعوب التي ينتصرون عليها سواء أكانوا ذكورا أطفالا أو كبارًا.
وقال: إن هناك ممن ينتسبون للمسيحية "من طبقوا فكرة إبادة الشعوب التي أمرتهم بها التوراة على سكان أمريكا وأستراليا الأصليين فقد تمت إبادتهم على يد المستعمر الجديد".
تشويه الصورة
وفي الوقت نفسه، أعرب الشيخ القرضاوي عن أسفه "لأن كثيرا من المسلمين يقدمون صورة مشوهة عن الإسلام بسبب سوء فهمهم لما أمر به القرآن الكريم".
ودعا "لفهم أعمق وفقه أشمل لما جاء به الإسلام من رحمة ودعوة للمسالمة والأخوة في الإنسانية بين البشر جميعا". وتمنى أن "يعرف غير المسلمين حقيقة الإسلام وما يريد لهم من رحمة وخير وسلام".