لما نشرت المجلة الأمريكية (فوربس) أرقاماً بدخل الدعاة؛ منهم صاحب المقال العبد الفقير وسلمان العودة وطارق السويدان وعمرو خالد وعمر عبد الكافي، قام كثير من الصحفيين وبعض القنوات الفضائية بتوظيف الخبر والتعليق عليه والفرح به، ولي مع هذا الخبر وقفات:
1- إن دخْلنا السنوي أنا وإخواني الدعاة، والمذكور في المجلة الأمريكية لا يساوي مجتمِعاً رواتب الخدم والسفرجية والقهوجية عند كثير من الأثرياء والوجهاء، فلماذا الصياح والنواح والدعوة بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وقاصمة الظهور؟
2- إن دخل الدعاة الخمسة لا يعادل دخل فنان واحد مشهور أو لاعب كرة عالمي، فهل المال حلال عليهم حرام على الدعاة؟
3- هذه الأموال التي وصلت إلينا من كتبنا أو دروسنا هي نسبة قليلة مما تتقاضاه القنوات والمكتبات من حقوقنا، فلماذا نُلام ونحاسب على شيء زهيد أُخذ من مبالغ ضخمة حُوِّلت لصالح وسائل الإعلام وبرامج عليها رعايات ودعايات لغيرنا؟
4- إن أخذ الأجرة على العمل ولو كان دينيّاً أو جمع المال من الوجه الشرعي حلال في الإسلام بالإجماع، حتى التجارة مع فريضة الحج جائزة، قال تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ(، وكان أبو بكر الصدّيق وعثمان بن عفان وابن عوف وغيرهم تجّاراً وأغنياء كباراً.
5- كيف نعيش وكيف ننفق على أهلنا إذا لم نأخذ نسبة ضئيلة من دخل أعمالنا وليس عندنا وظائف ولا أرصدة بنكية ولا أسهم ولا شركات؟ هل نبقى عالة على المجتمع وننضم للضمان الاجتماعي حتى نثبت لبعض إخواننا أننا زهّاد وعبّاد وأولياء وأتقياء؟
6- أما كوننا مشايخ فضائيات فنحن مشايخ فضائيات ولا فخر، وهذا الشرف حصلنا عليه بعد توفيق الله بجهدنا ومثابرتنا ولأننا نقدّم خطاباً معتدلاً صحيحاً وسطيّاً راقياً جذّاباً يحطم أنوف الغلاة والمتحللين من الدِّين، ومن عنده قدرة على الحضور والمشاركة فالطريق أمامه رحب فسيح:
* أَقِلّــوا عَلَيهِــم لا أَبا لأَبيكُموا ـ مِنَ اللومِ أَو سُدّوا المَكانَ الَّذي سَدّوا.
7- أما المتاجرة بالدِّين فقصم الله ظهر من جعل الدِّين متاجرة أو احتال على المسلمين أو خدعهم في أموالهم أو غشَّهم أو زوَّر عليهم أو ظلمهم أو تستَّر بالدِّين ليلعب عليهم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(. 8- أين الأقلام الجريئة والألسنة الحادة التي تعرضت للدعاة ممن خدع الناس في أرزاقهم في الأسهم والشركات الوهمية واقتناص المال العام وأخذ الرشوة؟ ثم لماذا لا تُنشر أرقام بدخل الأعيان والفنانين والرياضيين؟ وما معنى أن تقصد مجلة أمريكية إعلام الناس بدخل خمسة من الدعاة؟ 9- نحن لا نأخذ من جمهورنا ولا محبينا ريالاً واحداً وإنما هذا الدخل من جهات غنيّة وثريّة تجمع الأموال من الدعاة ومن غيرهم، بينما المباريات وقاعات الغناء والفن يتم حضورها ببطاقات مدفوعة الثمن. والحمد لله إن دخْل الدعاة الخمسة أُعلن في مجلة أمريكية ليردّ على من قال: إننا حصلنا على مئات الملايين من جهودنا الدعوية، وبإذن الله سوف يستمر حضورنا في المساجد والقنوات والصحف والمجلات، فأكرم البشر رسول الهداية ( دعا إلى الله في المسجد والنادي والسوق والحضر والسفر وخاطب الملوكَ وراسل أممَ الأرض وأسمعَ رسالته الخالدة كل العالم.
د. عائض القرني
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط" الثلاثـاء 17 ربيـع الاول 1429 هـ 25 مارس 2008 العدد 10710